بصر وبصيرة
يقول الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ).
فتحت هذه الكلمات الربانية كتاب الكون على مصراعيه، وتضمنت سطوره امتنان الله علينا بنعم لا تعد ولا تحصى، لتجعلنا نقف مذهولين قائلين:
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماءاً فأنبت به الأشجار، وأنزل الحديد وسائر الآلات، وأرسل الرياح رحمةً منه وزودها بالحركات القوية وجعلها آية لأولي النهى والأبصار، ووسع الأنهار، وجعل عمقها وحالها مقدراً بمقدار، تجري بها الفلك بأمره، وننتفع من كل هذه النعم، وسخر لنا الشمس والتي هي كرة نارية ملتهبة تسبح في كون واسع، لو اقتربت من الأرض قليلا لأحرقتها ولو ابتعدت لجمدتها جعلها الله هي والقمر دائبين أي يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران.
ويقول بعض المفسرين: وسخر لكم الشمس والقمر دائبين… والشمس والقمر لا يستخدمهما الإنسان مباشرة كما يستخدم الماء والثمار والبحار والفلك والأنهار… ولكنه ينتفع بآثارهما ويستمد منهما آثار الحياة وطاقتها، فهما مسخران بالناموس الكوني ليصدر عنهما ما يستخدمه هذا الإنسان في حياته.. ومعاشه بل في تركيب خلاياه وتحديدها.
فالآية الكريمة تعني: أن تسخير الشمس والقمر وغيرهما، وجعل ذلك في خدمة الإنسان في هذه الحياة دائماً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، في هذا تشريف للإنسان، فالكون كله مسخر لخدمته ليكون هو عبدا لله تعالى وحده لا شريك له، وبذلك كمال شرفه وعلو منزلته.
أفلا يجعلنا هذا نتفنن في شكر المنعم وندعوه آناء الليل وأطراف النهار..لذلك قال بعدها: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)
قال رجل لصديق له : لقد أعطى الله فلانا مالا وذاك مالا .. ولم يعطنا نحن مثل ما أعطاهم!
قال : تعال معي .. فذهب به إلى المشفى وجعل يقلب عينيه في سرر المرضى فوجد ذاك المشلول والآخر الذي أصيب بجلطة وغير ذلك..ثم قال لقد وزع الله المرض بين هؤلاء ولم يكتب لك نصيبا من أمراضهم فلماذا هنا لا تجزع!؟
فلنحمد الله بما أكرمنا من نعم نعلمها ونعم لم نعلمها بعد وهي في داخل أجسادنا وحول محيطنا، ونعم نتذكرها ونعم لا نتذكرها ، ومن هذه النعم مثلا : نعمة البصر.
فقد قال الله تعالى 🙁قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، قليلا ما تشكرون)
وقال 🙁ألَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ {8} وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ {9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {10} فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ )
خلق لنا هاتين العينين بإتقان محكم (صنع الله الذي أتقن كل شيء) من قرنية وشبكية وقزحية وطبقة خارجية ووسطى وخارجية وجفون ورموش وطبقة حساسة وعدسة وجهاز خاص للدموع وعضلات وأغشية وشفافية للعين وغيرها من تفاصيل تبين لنا عظمة الخالق في خلقه سبحانه ونعمه على خلقه التي لا تعد ولا تحصى، ولو تحدثنا فقط عن حركة العينان :
الواقع أن حركة العين في حد ذاتها تعتبر معجزة .. فمقلة العين تتحرك في كافة الاتجاهات حسب إرادة الإنسان بواسطة ست عضلات دقيقة .. هذه العضلات تغذيها أعصاب من المخ .. وتتعاون العضلات مع بعضها ليس فقط في ذات العين … بل مع العضلات التي تحرك العين الأخرى أيضا. والهدف من ذلك التعاون الوثيق هو أن يتجه محور الإبصار في كل عين إلى ذات الشيء الذي ينظر إليه الإنسان، وهكذا تراه العينان في صورة واحدة وبأوضح ما يمكن. غير الحيوان الذي جعله الله يرى من جانب دون آخر لأن تكوينه العقلي يختلف عن الإنسان
لنأخذ مثالا يوضح لنا كيف أن الإنسان ينسى نعم الله عليه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (خرج من عندي خليلي جبريل آنفا فقال يا محمد والذي بعثك بالحق إن لله عبدا من عبيده عبد الله تعالى خمس مائة سنة على رأس جبل في البحر عرضه وطوله ثلاثون ذراعا في ثلاثين ذراعا والبحر محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية وأخرج الله تعالى له عينا عذبة بعرض الأصبع تبض بماء عذب فتستنقع في أسفل الجبل وشجرة رمان تُخرج له كل ليلة رمانة فتغذيه يومه فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء وأخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قام لصلاته فسأل ربه عز وجل عند وقت الأجل أن يقبضه ساجدا وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء يفسده عليه سبيلا حتى بعثه وهو ساجد قال ففعل فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا فنجد له في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله عز وجل فيقول له الرب أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول رب بل بعملي فيقول الرب أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول يا رب بل بعملي فيقول الرب أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول رب بل بعملي فيقول الله عز وجل للملائكة قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمس مائة سنة وبقيت نعمة الجسد فضلا عليه فيقول أدخلوا عبدي النار قال فيجر إلى النار فينادي رب برحمتك أدخلني الجنة فيقول ردوه فيوقف بين يديه فيقول يا عبدي من خلقك ولم تك شيئا فيقول أنت يا رب فيقول كان ذلك من قبلك أو برحمتي فيقول بل برحمتك فيقول من قواك لعبادة خمس مائة عام فيقول أنت يا رب فيقول من أنزلك في جبل وسط اللجة وأخرج لك الماء العذب من الماء المالح وأخرج لك كل ليلة رمانة وإنما تخرج مرة في السنة وسألتني أن أقبضك ساجدا ففعلت ذلك بك فيقول أنت يا رب فقال الله عز وجل فذلك برحمتي وبرحمتي أدخلك الجنة أدخلوا عبدي الجنة فنعم العبد كنت يا عبدي فيدخله الله الجنة قال جبريل عليه السلام إنما الأشياء برحمة الله تعالى يا محمد). [رواه الحاكم في المستدرك وقال: حديث صحيح الإسناد، وضعّفه الذهبي والألباني].
البصر نعمة عظيمة وأداة خير إذا استعمل فيما شرع له النظر إليه والتفكر فيه كما في قوله تعالى: (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض…) وكم نحن نغفل عن جانب التفكر الذي بتركه ضعف الإيمان وهو أمر يكرره المصطفى صل الله عليه وسلم لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها (إن في خلق..)
وقد يكون البصر أداة شر على صاحبه إذا استعمله فيما لا يرضي الله, وذلك بالنظر إلى المحرمات والنظر إلى العورات والنظر إلى فضول زينة الحياة الدنيا نظرة إعجاب كما قال تعالى: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا.. ), لذا أمر الله المؤمنين بغض أبصارهم كما في قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم… )
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (الشيطان من الرجل في ثلاث منازل: في بصره وقلبه وذَكَرِهِ. ومن المرأة في ثلاث منازل: في بصرها وقلبها وعجزها)..
تعليقات
إرسال تعليق